أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس على طريق المطار وألقى خطبة الجمعة التي قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).
هذه الآية المباركة تتحدث عن سبب من أسباب الهلاك والدمار والخراب للأمم وللدول وأن هذه الإرادة هي إرادة تكوينية، معنى أن هناك أسبابا وعللا ولها نتائج ومسببات. الله سبحانه وتعالى بنى هذا الكون على هذا الأساس على أساس العلل والأسباب، وأن يكون لهذه العلل ولهذه الأسباب النتائج، فقوله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً ) بالمعنى أنه إذا تحققت هذه الأسباب ستكون هناك هذه النتائج. الهلاك هو مسبب عن الفساد (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا)، ومن الواضح أن هذه الآية المباركة توجه النظر إلى أن العلة الأساسية التي تحدث هذه النتائج الخطيرة توجيهها إلى المترفين،
وهذا الترف أو السعي إلى الحياة الغرائزية للاستمتاع بما في أيديهم من إمكانات ،وميلهم إلى الحصول على هذه الاستفادات هو إرضاء للغرائز الإنسانية .الغرائز البشرية سوف تؤدي إلى هذه النتائج ، الله سبحانه وتعالى يحمل المترفين أسباب الفساد ويحملهم أسباب النتائج وهي الهلاك والدمار. الأمر هنا ليس المقصود فيه أن الله سبحانه وتعالى يأمر بالفساد ، وإنما يعطيهم الإمكانية للتصرف باختيارهم، هم الذين يختارون هذا التوجه وأن يتوجهوا نحو إرضاء الغرائز، أن يسيروا بغرائزهم وإشباع هذه الغرائز المنفلتة، وحينئذ سيتحملون هذه النتائج.
لذلك نحن في الواقع الذي نعيشه ويعيشه العالم العربي والعالم الإسلامي بل ويعيشه العالم الذي يؤدي إلى الحروب وإلى خراب الدول هو من نتاج فعل الإنسان، من نتاج أفعال القائمين على الأمور في هذه البلاد. ليس هناك فرد واحد مسؤول وإنما هو نهج وسبيل، هذا النهج وهذا السبيل والسياسات تؤدي إلى هذه النتائج. فما يجري عندنا وما يجري في المنطقة من هذه الأحداث الخطيرة هي ليست ابنة ساعتها هي نتائج للسياسات المتوالية على فترات، فترات من الزمن أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه.
لقد كانت القضايا التي تشغلنا وتشغل الناس في هذه المنطقة وفي هذا العالم العربي العالم الإسلامي وفي لبنان، كان العنوان هو عنوان الأمة، قضية الأمة، وحينما تتعرض الأمة إلى خطريكون الاستنهاض لمواجهة هذه الأخطار التي تتعرض لها والعنوان الحفاظ على الأمة وعلى وحدة الأمة ،وهو العنوان الجامع الذي يجمع كل المكونات الطائفية ويجمع كل المكونات القومية وكل المكونات المذهبية تجتمع جميعاً تحت هذا العنوان للدفاع عن حياض الأمة الذي به يحفظ الجميع وتُحفظ المكونات الطائفية وتُحفظ المكونات المذهبية وتُحفظ المكونات القومية وتُحفظ الأمة جميعاً.
لقد جرى العمل بخبث على فترة طويلة من الزمان على ضرب هذا العنوان الجامع للأمة جميعاً، فعُمل على المشروع القومي السلبي وليس القومي الإيجابي. القومي الإيجابي لا مشكلة فيه على الإطلاق،القومي المنفتح على القوميات الأخرى، المتعاون معها، الذي يحفظ الأمة ويحفظ الأوطان، ولكن كان الإتجاه نحو عنوان القومي العنصري التفتيتي الذي يقطع ما بين أجزاء الأمة ومكونات الأمة ويثير مخاوفها بعضها ضد بعض، ويوقع بين بعضها البعض، ويقطع سبل التعاون في ما بينها لدفع الأخطار الكبرى التي تتناول الجميع، والتي لن تقف عندها حينما يتعرض مكوّن قومي في الأمة إلى الخطر حينئذ سيتعرض الجميع، لأن هذا لن يقف عند حدّ، والعناوين القومية أمتنا واسعة فيها المكوّنات القومية الكبيرة والصغيرة، فيها العربي وفيها الفارسي وفيها الباكستاني وفيها الهندي وفيها كل المكوّنات، أمة مترامية الأطراف تحتل ربما ثلث مساحة العالم. بالعنوان القومي السلبي قطعنا في ما بينها واصبحنا أمماً وليس أمة واحدة، اخذنا الجانب السلبي وتركنا الجانب الإيجابي، ثم بعد الجانب القومي رُفِع الشعار الوطني، أيضاً الوطني السلبي وليس الوطني الإيجابي. نحن قلنا في السابق أن لا مشكلة لدينا في الموضوع الوطني لأسباب موضوعية. قبلنا بهذا العنوان، ولكن الوطني الإيجابي الذي لا يقطع مع بقية الأقطار التي يتكوّن منها العالم العربي والعالم الإسلامي، الوطن اللبناني، الوطن السوري، الوطن العراقي، الوطن المصري، الوطن السعودي، إلى أخره من مكونات وطنية، قبلنا بالمكون الوطنية لكن الإيجابي، ولكن الاتجاهات ذهبت إلى الجانب السلبي، إلى الوطن السلبي، لبنان أولاً، سوريا أولاً، العراق أولاً، مصر أولاً، إلى آخره.. وأصبح لكل منا أن يواجه الخطر بمفرده، وليس أن يواجه الخطر بمفرده فقط ،وإنما لتتعاطى بقية المكونات أنها لا قضية لها في هذه المشكلة وفي هذه المسألة، بل أكثر من ذلك أن تتعاون بقية الكيانات الوطنية بالتآمر في بعض الأحيان على بعض مكوناتها الأخرى. ونحن في ما نعيشه الآن ذهبنا إلى الخطر الكبير، إلى المكوّنات الطائفية وإلى المكونات المذهبية التي نرى آثارها المدمر اليوم على العالم العربي وعلى العالم الإسلامي وعلى شعوب المنطقة وعلى الوطن الواحد كما هو حاصل في لبنان، في القضايا الكبرى التي يتعرض لها لبنان. اليوم هناك خطر وجود على هذا الوطن، خطر البقاء الذي يتعرض له لبنان. للأسف ان المكونات الداخلية اللبنانية لا تتعاطى مع هذه الاخطار على أنها خطر على الجميع، بل البعض يرى بأن هذه الاخطار التي يتصور أنها على مكون واحد أنه بمنأى عنها، بل يحاول دفعها إلى الأمام والاستفادة منها لما يعتبره أنها فرصة للاستفادة التاريخية لتحقيق مشاريع وضيعة ومشاريع طائفية أو مذهبية، وهو لا يرى، مثل الإنسان الذي لديه بستان حوله عشب يابس ينظر إلى أن هذا العشب يابس يجب أن يتخلص منه دون أن يلتفت إلى جيرانه فيشعل النار لكي يتخلص من العشب (قياس مع الفارق) فيرى أن هذا العشب يضره فيشعل فيه النار فيتعدى من جاره إليه وإلى داره، نحن اليوم هكذا.
أيها الإخوة،
نحن رأينا على مدى فترات زمنية متتابعة ومتوالية سلسلة من الأحداث والتداعيات التي يجرّ بعضها بعضاً. ما حصل في العراق وما حصل في لبنان وما حصل ويحصل في سوريا وما يحصل في بقية العالم العربي والعالم الإسلامي، الشيء الخطير الذي يجد كل مكوّن من هذه المكونات نفسه مشغولاً بالمكون الآخر، والمستفيد الوحيد من كل ما يجري هو المشروع الأمريكي الصهيوني الذي تمهد له هذه الأحداث الداخلية في العالم العربي والعالم الإسلامي بتحقيق الأرضية اللازمة لتحقيق مشروعه دون أن يدفع ثمناً، كما هو المشروع الامريكي الذي بدأ في العراق واعترف الامريكي فيه بخلق داعش. وان الولايات المتحدة الامريكية بعد سلسلة الإخفاقات عند احتلالها لأفغانستان واحتلالها للعراق، اخترعت هذه الوسيلة الخبيثة كي لا تخسر شيئا وان لا تخوض هب الحرب بنفسها وان لا تدفع الاثمان من خزينتها ومن ابنائها ولتدمر المنطقة بعضها بعضاً.
اليوم ما يحصل في سوريا ليس عملا منفصلا عما حدث، هو نتيجة، يقولون في المنطق "النتائج تتبع أخس المقدمات"، الفساد، الأحداث، النظرة هي التي أدت إلى ما يحدث في سوريا، انطلاق النزعات المذهبية والطائفية التي عمل عليها الغرب ووقعت فيها بعض دول المنطقة ، وصارت فيها إما خوفاً وإما مالا وإما طمعاً. هي التي أوصلت سوريا إلى ما وصلت اليه، ما يحدث في سوريا خطير جدا واختيار سوريا لهذا المشروع لإشعال هذه النار في سوريا وسوف لن يبقى في سوريا، لن يبقى في سوريا إذا لم تتدارك الأمور، لم تتداركها الدول العربية الكبرى المسؤولة، إذا لم تتعاون الدول العربية والإسلامية في ما بينها، وهو ما أطلقناه سابقاً على التعاون بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية وتركيا.
هل ما يحصل في سوريا هو لصالح أي منها؟ ليس لصالح أحد، الآن التنازع على سوريا اوصلنا الى الاحداث الاخيرة التي تحدت للأسف، والى تشجع المكونات الطائفية والمذهبية على بعضها البعض واشعال النار في جنوب سوريا الذي تستفيد منه اسرائيل ،تخسر فيه تركيا كما خسرت فيه ايران، كما خسرت فيه الدول العربية جميعاً. ما يحصل اليوم في جنوب سوريا او ما حصل في الساحل السوريي او ما يحصل في شمال سوريا هو لصالح من؟ اذا كان بعض البلاد العربية والاسلامية يرى في ما يحدث انه لصالحه فهو مخطئ. انه ليس لصالح احد على الاطلاق وانما لصالح المشروع الغربي والمشروع الامريكي لمواجهة الاتجاه والنهج المقاوم لشعوب المنطقة الذي يحتاج إلى كل مكوناتها لدفع الخطر عن هذه الأمة.
الخطر هو المشروع الصهيوني الذي وصلت يده إلى أن يضرب إيران وأن تكون عبر بعض البلاد العربية وأن تشارك بعض البلاد العربية في إسقاط الصواريخ الإيرانية التي تتجه نحو فلسطين، أين نحن الآن؟ لذلك نحن نناشد الإخوة في سوريا والمكوّنات، لو كان أحد يفكر بالانتصار على الآخر فإنه خاسر. المشروع أن لا تبقى سوريا دولة واحدة، لقد حصل هذا في لبنان واستطاع اللبنانيون في الماضي أن يقفوا في وجه تقسيم لبنان وأن نصل إلى اتفاق الطائف، ولكن أين هو اتفاق الطائف؟ لماذا لم يكمل تطبيق اتفاق الطائف؟ من الذي منع تطبيق اتفاق الطائف؟.
أيها اللبنانيون،
إن سلامة لبنان ووحدته امام ما يجري في المنطقة اليوم مصيرها مصير خطير، لأن ما يجري في سوريا يحتاج الى الكثير من الجهد ومن الوعي لمنع ان تحصل له ترددات في لبنان، والا ننجرّ في لبنان لسبب او لآخر الى الوقوع في هذا الفخ. أنا اقول ان ما يجري في سوريا ليس المقصود فيه سوريا فقط، وانما المقصود فيه المنطقة العربية كلها ولبنان بالخصوص. لقد حاول الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية أن يضرب المقاومة في لبنان، ولكنه لم يستطع، ثم الآن يحاول بطريقة اخرى أن ينهي المقاومة ويسحب قوة لبنان من يدي هذه المقاومة، ولكنه حتى الآن لم يستطع، وان ما اطلقه المبعوث الامريكي اخيراُ لم يكن بريئًا. ما يحدث في جنوب سوريا ليس بعيداً عن التخطيط الأمريكي، وإذا كان يرى بأن اللبنانيين ليسوا سائرين في المشروع الذي يريده وهو دفعهم الى التقاتل الداخلي لإجبار المقاومة على نزع سلاحها، فهو اليوم يأتينا من هذا الباب.
انتبهوا أيها اللبنانيون.. يأتينا من هذا الباب التقاتل الطائفي في جنوب سوريا لأنه يريد ان تكون تداعياته في لبنان بسبب التداخل الديمغرافي بين لبنان وبين سوريا، وبالتالي المشروع هو محاصرة المقاومة في لبنان وإجبارها على استخدام سلاحها في صراعات داخلية وفي الداخل اللبناني.
انتبهوا أيها اللبنانيون.. أنا أدعو فخامة رئيس الجمهورية وبقية المسؤولين إلى الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني داخلي لتحصين الداخل اللبناني من تداعيات ما يجري في سوريا. إذا كنا غير قادرين على أن نؤثر في الساحة السورية فعلينا أن نُحصّن واقعنا، الواقع اللبناني، الوحدة الداخلية اللبنانية التي لا سمح الله إن اشتعلت النار فيها سوف لن تبقى للبنان أثراً ولا وجوداً ولجميع مكوناته ،حفظاً للبنان حفظاً لمكونات لبنان الطائفية والمذهبية، نحن مصيرنا جميعاً مصير واحد، نحن نركب في سفينة واحدة، نحن موجودون في غابة واحدة إذا اشتعلت النيران فيها فلن يبقَ فيها بيت سالم.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لبنان وأن يحفظ الشعب اللبناني وأن يكون اللبنانيون أكثر وعياً في هذه اللحظات المصيرية.
|