• الموقع : المجلس الإٍسلامي الشيعي الأعلى - لبنان .
        • القسم : النشاطات واللقاءات .
              • الموضوع : خطبة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب .

خطبة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس على طريق المطار والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين واصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين.

السلام على الحسين، وعلى عليّ ابن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

إّن توظيف عاشوراء للدفاع عن الامة ومصالحها كما أرادها سيد الشهداء في خطاب إعلان الثورة ضد السلطة الاموية الجاهلية الظالمة تتمثّل في:

* إحباط هدف السلطة لتثبيت شرعية سلطة القبيلة على حساب الرسالة ومبادئها.

*الحفاظ على جوهر الرسالة في الإبقاء على جذوتها مشتعلة في نفوس أبناء الأمة حفاظاً على أهدافها وعلى رأسها الحفاظ على وحدتها ودورها في مواجهة قوى الطغيان والبغي الداخلي والخارجي.

 لقد أُريد للأمة أن تتحوّل الى خادمةٍ للسلطة التي انقلبت على أهداف الرسالة وتحويل الانجازات التي تحقّقت الى قوة بيد السلطة لتحقيق أهدافها الخاصة، فكانت ثورة الإمام الحسين(ع) التي أفشلت هذا الانقلاب وما زالت، ولم تزل هذه المعركة مستمرة وقائمة على وعي الامة في مواجهة محاولات السلطة في العمل على إثبات شرعيتها،

أولاً: عبر تشويه أهداف الثورة ومحاولة التركيز على تصوير الحدث على انه مجرد صراع عائلي تاريخي على السلطة، فيما هي تجهد في إثبات الشرعية لنفسها التي أرادت أن تختصر الامة بها وإلغاء دورها ومصادرة قرارها.

اذاً فالمواجهة مع السلطة كانت على وعي الامة بهدف استعادتها لدورها وقرارها وفضح أهدافها وسلخ الشرعية عنها. فالمعركة نشأت أساساً دفاعاً عن المشروع الاسلامي واهدافه في وجه حركة ارتدادية واجهت الاسلام في بدايته، فلما هُزِمت تحوّلت الى حركة منافقة لتنقلب عليه من الداخل، مستخدمةً التضليل وتصوير الامر على ان المشكلة مشكلة صراع سلطوي لا علاقة له بالرسالة، وانه شأن زمني من شؤون الأمة ترك لها حرية إدارته باختيار من تشاء على قاعدة الشورى التي لم تحصل على الاطلاق ولم تمارسها الامة أبداً في أي وقت من الأوقات، حتى قال علي (ع) في شقشقيته في تَعَجّب منه واضح واعتراض فاضح على الشورى (فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ حتى صرت اقرن الى هذه النظائر لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَمَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَهَنٍ).

وكان عرض البيعة منهم لعلي (ع) أولاً اعترافاً وإقراراً بأحقيته بها، وكان التخلّص منه ان شرطوا عقدها له بأن يلتزم فيهم سيرة الشيخين وعدم الاكتفاء بكتاب الله وسنّة نبيّه، فشرطوا له ما يضمنون به إخراجه لعلمهم برفضه القبول بهذا الالتزام.

فالمشكلة هنا مع علي (ع) لم تكن مشكلة الصراع القبلي المزعوم بين هاشم وأمية، وإنما مع نهج علي وتنمره في ذات الله، كما أشار الخليفة الثاني لذلك بشكل غير مباشر حين قال: "أما والله لو أعطيتموها علياً لحملكم على المحجة البيضاء" .

وهو ما فعله (ع) حين وُليَ الخلافة حيث قال في شأن المال العام : (والله لو وجدت المال قد تزوجت به النساء وملكت به الاماء وبُنيت به الدور لرددته الى بيت المال) وقال أيضاً: (والله لو كان المال ملكاً لي لساويت بينهم فكيف والمال مال الله ).

أما المسألة مع بني أمية فلم تكن مشكلة النهج والتشدّد في تطبيق العدالة فقط، وانما كانت من جانبهم تَسيُّد بني هاشم وهو السبب أساساً في عداوتهم للاسلام ومواجهتهم له ومحاربتهم لاتباعه وخسارتهم الحرب معه وتحمّلهم خسارة أبطالهم الذين قتلوا في هذه المواجهات، ما زاد في إشعال نار الحقد في قلوبهم فتحيّنوا فرصة الانتقام واضطروا للدخول في الاسلام نفاقاً وعُرفوا بالطلقاء. وقد صرح علي (ع) لأبي سفيان عما يعتمل في صدره من الكيد للإسلام وأهله حينما جاءه عارضاً عليه بعد البيعة لأبي بكر التحالف في مواجهة السلطة الجديدة قائلاً له:

(والله ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك والله طالما بغيت للإسلام شراً، لا حاجة لنا في نصيحتك).

لقد شكلت واقعة الطف خطّاً فاصلاً من فصول المواجهة بين هذين النهجين: بين نهج الاسلام المحمدي الاصيل وبين النهج الانقلابي الذي أراد استخدام الامة ومقدّراتها لصالح السلطة، فكان الامام الحسين (ع) لهذا النهج بالمرصاد.

وقد عبّر (ع) عن هذا الواقع الانقلابي الذي كاد يصفو لبني امية حين رأوا ان الفرصة سانحة ليأخذ هذا الانقلاب الشرعية، حيث استطاعوا ان يُسكتوا الاصوات المعارضة إما بالقتل او السجن او بشراء الضمائر، ولم يبقَ من يُتخوَّف منه الا البعض القليل، واخطر هؤلاء الامام الحسين، فكان لا بدّ لهم من تخييره بين البيعة ليزيد الفاسق وبين القتل لما يمثل من اهمية كونه ابن بنت رسول الله. وهذا ما حصل حين استدعاه والي المدينة بحضور مروان ابن الحكم الذي حرَّضه على قتل الامام إن لم يبايع، ولكن الامام (ع) كان قد استعدّ لهذه اللحظة وأحضر معه من رجاله ما يمتنع بهم، وهكذا فوَّت سلام الله عليه فرصة الغدر هذه، ولكنه علم أن هؤلاء لن يتوقفوا عن الغدر به، ولذلك عزم على الوقوف بوجههم وأن يجعل من استشهاده قضية مواجهة الانقلاب على نحو واضح تُفوّت عليهم فرصة قتله غيلةً بلا قضية، كما تُفوّت عليهم تحقيق الهدف في إضفاء الشرعية على ملكهم وتحول استشهاده الى قضية بحد ذاتها، ومدرسة مستمرة في مواجهة الانحراف والدفاع عن حقّ الامة ودورها في مواجهة من يبغي مصادرتها واستغلال مقدراتها لمصلحة السلطة وازلامها.

 يقول الامام الحسين (ع) واصفاً الحال الذي غدت عليه الامة في ظل الحكم الاموي: " ألا ترون الى الحق لا يُعمل به والى المنكر لا يُتناهى عنه"، وهو ما وصف الامام أمير المؤمنين علي (ع) بني امية في عهد عثمان في بيان فسادهم قائلا:

( إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَمُعْتَلَفِهِ وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خِضْمَةَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ).

أيها الأخوة،

لقد كانت ثورة أبي عبد الله الامام الحسين (ع) أن تعي الأمة دورها التاريخي والحضاري الإلهي، وهو الحفاظ على القيم وإشاعة العدل والمعرفة الربّانية التي تعني استخدامها في خير الانسانية وتَقَدّمِها، وألا تكون أداة بيد السلطة لتقوية وتوسعة نفوذها على الامم الاخرى بديلاً عن الامة، تستخدمها لترسيخ دعائم العدل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فليس للسلطة في الاسلام أي ذكر وإنما للامة.

(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ).

فهي وُجدت لتكون في خدمة الانسان ومن واجبها الدفاع عنه والارتقاء به في كل الصعد أياً كان، والى أيّ جنس انتمى، وليس لها فضل عنده على الامم الاخرى إلا بمقدار ما تقوم به من خدمة لها دون أن أيّ مكاسب دنيوية على حسابها. فهي ليست قوة استعمارية توسعية تبتغي النفوذ ونهب الثروات والخيرات والاستعباد.

لقد أراد الامام الحسين (ع) أن يُعيدَ للأمة هذا الدور الذي صادرته السلطة الاموية التي تحوّلت الى سلطة غاشمة بإسم الإسلام، مشوّهةً صورة الدين، وأساءت الى الأمة وألغت دورها الرسالي الحضاري وأصبح الاسلام مجرد طقوس وعادات، وتحولت أمة بلا رسالة وبلا دور، وأمة تابعة تتناتشها الامم، ومن أمةٍ أُريدَ لها ان تُخرِجَ الناس من الظلمات الى النور الى أمة غارقة في الظلام والجهل، ومن أمة حرة كريمة الى أمة مستعبدة لنظم لم تصنعها، وإنما صنعتها ايدي القوى الدولية الظالمة والغاشمة التي حوّلت العالم الى ساحة صراع على النفوذ والطغيان والبطش والابادة.

لقد بقيت ثورة الامام الحسين (ع) علامة الضوء والامل الوحيدة التي تدفع بحاملي قيمها ورسالتها الى مواجهة هذا الواقع المخيف والخروج من هذا النفق المظلم.

لقد شكّلت القضية الفلسطينية هذ التحدي للأمة بين هذا الانحدار الى حد الانسحاق، وبين حالة الوعي لهذا الواقع الذي يبعث على التمرّد والمواجهة والانبعاث من جديد، فكانت الثورة الحسينية هي المنبع الذي يمدّها بالقوة لتلمس الحياة من جديد.

لقد استلهمت الأمة من هذه الثورة اليوم المدد الذي استطاعت به أن تنهض وبسرعة، فتُسجّل في جنوب لبنان أول مواجهة جدية نابعة من الاسلام المحمدي الاصيل الذي انبعث من فكر الامام السيد محمد باقر الصدر المتوقد والنافذ، والامام السيد الخميني وثورته العظيمة والمباركة، والامام السيد موسى الصدر ونهضته المباركة، والائمة الاعلام ورثة أئمة اهل البيت (ع) ومدرسة عاشوراء لتمتد الى فلسطين، ولتُشكّل مع لبنان والجمهورية الاسلامية الايرانية واليمن العزيز ساحة المنازلة والجهاد مع قوى الطغيان العالمي وصنيعته الصهيونية في فلسطين، وتُحقّق واقعاً جديداً في حياة الامة من التضامن والتأييد بين دولها وابنائها، وفاضحة لكل الاشاعات والفبركات التي سعت الى زرع الشقاق بين مكوّناتها الطائفية والمذهبية، ليكون سداً مانعاً من التفاعل بينها ولتتضح الصورة الحقيقية لابناء علي والحسين الذين لا يبغون سوى القيام بواجبهم الديني والاخلاقي في نصرة أبناء امتهم، وإن اختلفت مذاهبهم وطوائفهم، فهم لم يعتبروا أنفسهم إلا نفساً واحدةً ّوإخواناً لمن هم من ابناء السنة والجماعة، فأنفسهم أنفسنا وأعراضهم أعراضنا ودماؤهم دماؤنا، ولا نبتغي من وراء نصرة اخواننا في غزة الا القيام بالواجب الديني والاخلاقي والإنساني.

لقد رأيتم بأمّ أعينكم كيف بهت الله المثبّطين عن نصرة فلسطين، لما اثبتت ايران ان عداوتها للصهاينة حقيقية، وان قتالها لهم لم يكن ادّعاء كما كان يصوّره الأعداء، وان المقاومة في لبنان كانت النصير الوحيد مع الجمهورية الاسلامية لغزة والشعب الفلسطيني العزيز.

لقد كان انتصار الجمهوية الاسلامية الايرانية على الغرب متمثلاً بالولايات المتحدة الامريكية وأداتها العدو الصهيوني، انتصاراً لنا جميعاً وللأمتين العربية والاسلامية ولجميع المستضعفين والمظلومين في العالم. وكان من نتائجها هذا التقارب الاسلامي والعربي الذي سيتعمق أكثر فأكثر بإذن الله، وعسى أن يكون ذلك قريباً وان يقف الجميع صفاً واحداً في مواجهة العدو وسيكون ذلك اهم عوامل القوة في مواجهة العدوان والصلف الغربي الذي يبتز دولنا وشعوبنا وينهب خيراتنا.

وعسى أن يكون في ما جرى من ثبات للجمهورية الاسلامية الايرانية نتائج ايجابية على الساحة اللبنانية بسقوط المراهنات على العدو الإسرائيلي، وأن يعلم الخائفون واصحاب الحسابات المادية الخائبة أن القوة لله جميعاً، وان النصر بيد الله، وان الاستسلام للوهم والجبن لن تكون نتائجه الا الخزي والعار في الدنيا والاخرة، وانه لا كرامة ولا استقلال، ولا تُحفظ سيادة الاوطان الإ بالتضحيات، وأن الآخرين لن يهبوك سلامة الا أن ياخذوا منك الكرامة والحرية. فالسيادة والكرامة والحرية لا توهب وانما تُنتزع، وسيُفكّر العدو بعد فشله المدوّي في عدوانه على الجمهورية الاسلامية الايرانية الف مرة، في بقائه محتلاً لجزء عزيز من وطننا، بل لن يزيده هذا الفشل الا خوفاً على المستقبل، فلم يعد يُشكلّ القوة الحاسمة في المنطقة، وقد كشفت هذه الحرب هشاشته وحاجته الى من يدافع عنه، وانه غير قادر على الدفاع عن نفسه. وهذا ما يسلبه الشعور بالأمان، وهذا ما يستدعي الجهوزية من المسؤولين والمقاومة، وان يحذروا من تحركاته وتحركات وأقوال داعميه ووسوستهم وضغوطهم وتخويفهم ومن شياطينهم، شياطين الانس والجن الذين ينفخوين في ابواق الفتنة والتضليل في حروبهم النفسية التي يجيدونها.

اليوم يُسجّل العدو الإسرائيلي مزيداً من العدوان على جنوب لبنان وخرقاً جديداً لاتفاق وقف اطلاق النار 1701، ولا نرى هناك موقفاً حاسماً وقوياً في مواجهة هذه الخروقات وهذا العدوان، فماذا ننتظر؟ على لبنان مسؤولين وسياسيين أن يقفوا وقفة واحدة أمام هذا العدو وأمام هذه الخروقات للقرار 1701 ولقرار وقف اطلاق النار، وأن يرفعوا أصواتهم ليجبروا هذا العدو الذي يستفيد من هذا الانقسام الداخلي لمزيد من العدوان ولبقاء الاحتلال في جنوب لبنان، علينا جميعاً أن نقف صفاً واحداً في مواجهة العدوان، لا أن نقف وأن نُحرّض بعض اللبنانيين على بعضهم الآخر وأن نتخلى عما بيدنا من قوة، ويتم التحريض على هذه القوة لمزيد من الانقسام الداخلي الذي يطيل عمر هذا الاحتلال.

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق* مِن شَرِّ مَا خَلَقَ* وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ* وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَ* وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَد َ﴾. (سورة الناس)

تحية الى صانعي مجدنا واستقلالنا وسيادتنا، الأحرار الأبرار من الشهداء، الأبرار والمجاهدين الاخيار.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 


  • المصدر : http://www.shiitecouncil.com/subject.php?id=138
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 06 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 07 / 3