
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس في طريق المطار وألقى خطبة الجمعة التي قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا ومولانا ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال تعالى: ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).
هذه الآية المباركة جواب من الله تعالى لتساؤل بتعجّب يطرحه عادةً المجتمع المؤمن عن السبب في ابتلائهم بالمصائب والنكبات والازمات الحياتية التي تعترض حياتهم، ومنشأه عادة اعتقادهم بأن الايمان كافٍ في خلاصهم منها، وان يعيشوا في مأمن من كل ذلك، فأتى الجواب الالهي ليُبيّن لهم خطأ هذا الاعتقاد، وان الايمان والدخول في الاسلام وحده غير كاف، وان الايمان لا بدّ أن يوافيه العمل ويتطابق معه. ولهذا أنكر عليهم في آية اخرى هذه الازدواجية بين القول والعمل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ). وبهذا ينتهي التعجّب عن مصدر المصائب التي تصيبهم وانها من أنفسهم، سواء كانت مصائب الافراد او مصائب الجماعة.
فقد ورد أيضاً في الكتاب العزيز ما يدلّ على ان المصائب التي يتعرّض لها الافراد إنما تنشأ بسبب أعمالهم وعدم التزامهم بما أمر الله به وأرشد اليه. قال تعالى:
( مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ).
والله سبحانه لا يصدر منه الا الخير، والظاهر والله اعلم ان المقصود بالسيئة هنا عاقبة السوء التي تقع نتيجة لتخلّي الانسان أو المجتمع عن تَحمُّل مسؤولياته، فتكون عاقبة السوء نتيجة طبيعية لذلك. فعندما يتخلّف المجتمع عن القيام بمسؤوليته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويترتّب على ذلك انتشار الفساد في المجتمع، فهو المسؤول عن النتائج التي حذَّرنا الله تعالى منها وبيَّنها لنا رسوله (ص) قائلاً:
(اذا تركتم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سلط الله عليكم شراركم فتدعون فلا يستجاب لكم). وهو أن يسود الظلم ويفتقد العدل. ومع تحقّق ذلك فإن الخروج من هذا الواقع لن يتحصَّل فقط بالدعاء، بل يحتاج المجتمع الى جانب الدعاء، الى عملية قيصرية من المواجهة طويلة وما ينتج عنها من انقسام للمجتمع وبذل للدماء وحروب أهلية قد لا تنتهي بنتيجة إيجابية، وإنما الى إضعاف للمجتمع يُغري الاعداء المتربّصين به وسقوطه طعمة سهلة لهم، الى غيره من المصائب والمشكلات التي تُعقّد من عملية المواجهة وتُعطّل عليه لعقود مهمة الخروج من هذا الواقع المرير، وهذا مثال من أمثلة تخلي المجتمع عن تحمّل مسؤولية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ووقوعه بسبب ذلك في هذه المصيبة التي هي من اعظم ما يمكن ان يقع فيه من مصائب، وهي خسرانه لنفسه وخصوصاً للمجتمع والأمة التي بُنِيَت على أساس عقائدي وتَحمَّلت مسؤولية إنقاذ الأمم وإخراجها من الظلمات الى النور، فخسرت نفسها الى جانب خسارتها لدورها بين الامم والعالم، حاملة لرسالة الخير، وهو ما أصاب أمتنا ففقدت وحدتها حين تخلّت عن مسؤوليتها وأضاعت الهدف الذي وُجِدَت من أجله، فتحوَّلت الى مجرد أعداد مجردة (كثرة كغثاء السيل) كما اخبرنا رسول الله (ص)، وهذا نص الحديث:
" كيف أنتم إذا طغى نساؤكم وفسق شبابكم وتركتم جهادكم، قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشدّ منه سيكون، قالوا: وما أشد منه يا رسول الله؟ قال: كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر، قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً، قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف، قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟! قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون .
عن رسول الله (ص) : فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تترك الحليم منهم حيراناً".
وعن رسول الله (ص) قال: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حبّ الدنيا وكراهية الموت.
إنّ المصير الطبيعي لهذا التخلّي للأمة عن قيمها وشعورها بالمسؤولية ولهذا التحوّل الخطير في المفاهيم من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، الى رؤية المنكر معروفاً والمعروف منكراً، ومن حبّ التضحية والشهادة في سبيل الله والعزة والكرامة الى حبّ الحياة بذلٍ وكراهية الموت.
أيها الأخوة،
إنّ ما نشهده اليوم من أحداث يتعرَّض لها الشعب الفلسطيني أمام أنظار العرب والمسلمين، وهم يكتفون بالمشاهدة والتفرّج على المجازر للاطفال والنساء والابادة والدمار من دون أن يبدو منهم أيّ استنكار، فضلاً عن تقديم المساعدة والمساندة، بل ان البعض منهم يبدي الشماتة ويُظهر الفرح والاستبشار، إن ذلك كله لأمر يجلب الخزي والعار التاريخيين لهكذا أمة، وحقّ عليها هذا المصير ان تتداعى عليها الامم تداعي الأكلة على قصعتها وان تنظر لها نظرة الاحتقار.
فأيّ قيمة بقيت لهكذا أمة تستبشر بما يفعله العدو بها بانتهاك أعراضها وبقتل أطفالها ونسائها وتجويعهم وتعطيشهم، أو بانتصاره على دولة جارة لهم وهي الجمهورية الاسلامية الايرانية وقفت تدعم مقاومة هذا الشعب الأبي، وفي أفضل الاحوال يكتفي البعض منها بإظهار الفرح بصواريخها وهي تدكّ قدس أقداس العدو في تل ابيب وحيفا والكريوت من دون أن تقوم بفعل يُعبّر عن غضبها واستنكارها لما يجري، أسوة بشعوب العالم الغربي الذي لا تربطه بالقضية الفلسطينية سوى الشعور الإنساني.
نحن لا ندعوها لافتعال اي مشكلة داخلية نصرةً للقدس وأطفال وأعراض نساء فلسطين الشريفات، ولكن أن تُعبّر الامة عن غضبها بالتظاهرات امام السفارات الامريكية والصهيونية التي تنعم بالامن والاستقرار، وتتحرّك للتآمر بحريّة في عواصمنا على دولنا وشعوبنا.
أما في بلدنا لبنان، فالعجب كل العجب أن يكون الشغل الشاغل لبعض القوى التي تدّعي السيادية، المزايدة على العدو بالضغط لتحقيق ما لم يطلبه العدو بتسريع الخطى بنزع سلاح المقاومة والترويج للشائعات لبثّ الخوف في الداخل اللبناني، فأي سيادية يدعون؟ وعن أي سيادة يدافعون؟، عن السيادية اللبنانية ام الصهيونية؟!.
إنّ موضوع السلاح أمر يُحَلّ بالحوار الداخلي على اساس المصلحة الوطنية، وليس بالتحريض على الفتنة الداخلية، وما عجز العدو بالحرب عن تحقيقه كما كان البعض يستدعيه لذلك ويحلم به لعجزه هو عن القيام به، فهو اليوم أعجز.
إنّ المطلوب اليوم من هؤلاء التعقّل لا الانجرار الى التهور، وبالتعقّل والتعقّل فقط يمكن أن نجد الحلول الوطنية لكل مشكلة بما فيها ما يدعون لما فيه حل لمعضلة التهديد والخطر الصهيوني انه مشكلة، اذا كان من محل للتعقّل عند هؤلاء حفاظاً على المصلحة الوطنية .
إنّ عاشوراء علمتنا أن العدو الذي يستحق المواجهة بالسلاح هو العدو الخارجي لا أبناء الوطن مهما كانت آراؤهم ومواقفهم خاطئة ومرتفعة السقوف.
سلام عليك يا أبا عبدالله الحسين، أيها الثائر الشهيد إذ علمتنا أن نستشهد حفاظاً على العزة والكرامة، حتى لمن ضلَّ الطريق،
أُريد حياته ويريد موتي
أريد حباءه ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد
- الإرشاد عن الأصبغ بن نباتة: أتى ابن ملجم أمير المؤمنين (عليه السلام) فبايعه في من بايع، ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين (عليه السلام) فتوثّق منه وتوكَّد عليه ألا يغدر ولا ينكث، ففعل، ثم أدبر عنه، فدعاه الثانية أمير المؤمنين (عليه السلام) فتوثّق منه وتوكّد عليه ألا يغدر ولا ينكث ففعل، ثم أدبر عنه، فدعاه أمير المؤمنين (عليه السلام) الثالثة فتوثّق منه وتوكّد عليه ألا يغدر ولا ينكث. فقال ابن ملجم: والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):
أريد حباءه ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد
امضِ يا بن ملجم فوالله ما أرى أن تفي بما قلت.
السلام عليك يا أمير المؤمنين وعلى الأئمة من ولدك..
السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى انصار الحسين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..