
برعاية وحضور نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب، أقام اتحاد الكتاب اللبنانيين في مقر المجلس – طريق المطار ندوة حوارية حول كتابي العميد الدكتور غازي قانصو: "دولة المواطنة في لبنان في رؤية العلامة الشيخ علي الخطيب" و "العيش المشترك في لبنان في رؤية العلامة الشيخ علي الخطيب"، بحضور الوزير ركان ناصر الدين، رئيس الجامعة الإسلامية في لبنان البروفيسور حسن اللقيس وحشد كبير من علماء الدين وشخصيات سياسية و اكاديمية واجتماعية وتربوية وقضائية واعلامية ومهتمين.
وبدأت الندوة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم للقارىء علي عبيد، والنشيد الوطني اللبناني، وادار الندوة الإعلامي محمد جرادي، الذي قال: يتزامن لقاؤنا اليوم مع غمرة أحداث مصيرية ترسم ملامح مآلات تحوّلٍ كبرى في تشكّل وعي الشباب العربي عموماً واللبناني خصوصاً ،نلتقي في رحاب الفكر والالتزام الوطني/ في مناسبة تتجاوز بُعدها الثقافي لتلامس جوهر الكيان اللبناني هي بلا شك معركةُ المصير الممهور بإرادة وعزم الشباب الذي يرسم ملامحَ هويته وانتمائه وخياراته، نحن في زمنٍ أحوج ما نكون فيه لإعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، بين الطوائف والوطن، بين التعددية والوحدة، إيماناً منا أن العيش المشترك لا يُبنى على التسويات بل على الحقيقة/ ولا يقوم على الغلبة بل على الشراكة. في دولةٍ تتجاذبها الانقسامات الطائفية، وتتآكل مؤسساتها تحت وطأة الأزمات، يكتب الدكتور غازي قانصوه عن دولة المواطنة والعيش المشترك، لا كحلم مؤجَّل بل كخيار ممكن ، هي رؤية تنطلق من قناعة راسخة بأن لبنان لا يقوم إلا بالتفاهم، ولا ينهض إلا بالتلاقي.
وألقى العلامة الخطيب كلمة قال فيها : الموضوع المطروح للنقاش في هذا اللقاء يدور حول طرح ارتأيناه كحل مناسب لإشكالية النظام السياسي اللبناني الذي أخفق بصورته الحالية الطائفية في تحقيق الاهداف التي وضع من اجلها، لذا كانت الأهداف بناء دولة مستقلة ومجتمع وطني واحد، فإن أي نظام سياسي لأي مجتمع له اهداف وغايات تتناسب مع طموحاته كما يُفترض من تحقيق الاسقلال الوطني والاستقرار السياسي والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والمعرفية الخ..، كل ذلك يستند الى قاعدة أساسية مبنية على الوحدة الاجتماعية والشعور بوحدة الانتماء والمصير، وهذا من الامور الاساسية التي من دونها لا يكون معنى لأي نظام سياسي الذي من المؤكد انه سيفشل في تحقيق اي من هذه الأهداف مهما بدت الصيغة التي استند اليها جذّابة وبرّاقة وعلمية، لأنه سيفتقد الى الارضية اللازمة التي تحقق له النجاح، كمن ينتقي أفضل البذور ليزرعها في غير الارض التي تنبت.
هذا مع أن الصيغة للنظام السياسي التي اختيرت للبنان قد افترضت مسبقاً أن اللبنانيين ليسوا مجتمعاً موحّداً بل مجتمعات متعددة أُريد لها أن تتعايش متهادنةً لبعض الوقت حتى يحين الوقت للإنقضاض عليها لدى الفريق الذي يرى فرصة الانقضاض، فافترض أنها مجموعة من الشعوب المختلفة وقّعت على صيغة صلح أو هدنة في ما بينها حدود كلما أحسّت إحداها بالتهديد من الاخرى أو رأت أن تتجاوز الهدنة للتغلّب على الاخرى وقعت الحرب بينها، فكانت الصيغة للنظام السياسي اللبناني عبارة عن صيغة مهادنةٍ بين الطوائف والمذاهب شبيهة بما كان يقع بين القبائل في شبه الجزيرة العربية.
وفي أسباب هذا الوضع أن ترسّخ في الذهنية لدى المنتمين للطوائف والمذاهب أنها ليست سوى قبائل وعشائر تختلف حين تختلف مصالحها وأهدافها ويختل التوازن فيما بينها، ولذلك وجدوا أن النظام الطائفي والمحاصصة الطائفية أي الحل العشائري هو الحل الذي يتناسب معها، فهل صحيح ان التنوع في الانتماء الديني هو تنوع عشائري قبلي عصبي مانع من الشعور بالوحدة الاجتماعية والاندماج الوطني؟ وهل ان الانتماء الديني هو انتماء قبلي عصبي يمنع من الاندماج في وحدة مجتمعية سياسية؟.
هذا للأسف ما كرّسته السياسات الخاطئة للأنظمة التي حكمت عالمنا ليس في لبنان فقط بل في العالمين العربي والإسلامي، ثم استفاد منه الغرب في الاجهاز على وحدة مجتمعاتنا العربية والاسلامية الذي بدأ بلبنان ثم يعمل الآن على تعميم هذه الصيغة على سائر بلداننا العربية والاسلامية بما يتناسب مع اهدافها ومصالحها.
الجواب أبداً، فإن الاديان في جوهرها واحدة ( إن الدين عند الله هو الإسلام) في الحفاظ على القيم الروحية والاخلاقية هذا اولاً .
ثانياً: ان الاسلام لا ينظر الى من يخالفه في بعض التفاصيل الاعتقادية نظرة عدائية (كما يحاولون أن يصوروا لنا عبر فرق إرهابية في الفكر وفي العمل) او دونية سواء على مستوى الاخلاقي او الحقوقي (الناس كلهم سواسسية كأسنان المشط كما يقول رسول "ص" ولم يقل المسلمون سواسية انما قال الناس كلهم سواسية)، وقال الله سبحانه وتعالى: (ولقد كرّمنا بمي آدم)، والايات والروايات صريحة وكثيرة في هذا المجال وهي اكثر من أن تُعدّ.
ثالثاً: إنّ الاسلام نهى عن التعطي على اساس العصبية ، الإسلام ليس عصبياً وإنما هو رؤية وفكر، فقال: "ليس منا من دعى الى عصبية".
رابعاً: إن الاسلام فرَّق بين نظرته الى نفس المعتقد الخاطيء وبين المعتقد، فلم يعامل المعتقِد على اساس انتمائه الاعتقادي فيحرمه من حقوقه كإنسان اوجب الله احترامه على قاعدة: (ولقد كرمنا بني آدم) (والناس صنفان: إما أٌخ لك في الدين او نظيرٌ لك في الخلق)، كما أعطاه حرية الاعتقاد كم في سورة الكافرون .
فهو اكد على: حرية المعتقد، المساواة في الحقوق والواجبات، العدالة الاجتماعية، "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى".
خامساً: ما فعله رسول الله (ص) في وثيقة المدينة مع اليهود، نصّت الوثيقة على أن "يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم". وهذا يعني أن اليهود لهم الحق في ممارسة شعائر دينهم بحرية دون إكراه من المسلمين.
استقلال الذمة المالية:
نصت الوثيقة على أن "على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم". وهذا يعني أن اليهود لهم الحق في ممارسة التجارة وكسب المال والاحتفاظ به دون تدخل من المسلمين.
العدل التام:
أكدت الوثيقة على مبدأ العدل والمساواة بين المسلمين واليهود، ونصت على أن "النصر للمظلوم". وهذا يعني أن أي ظلم يقع على أي فرد، سواء كان مسلمًا أو يهوديًا، يجب أن يُنصف منه.
حرمة المدينة:
أكدت الوثيقة على حرمة المدينة وأنها منطقة آمنة للجميع. ونصت على أن "يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة". وهذا يعني أن المدينة يجب أن تكون آمنة ومستقرة للجميع، ولا يجوز لأي طرف الاعتداء على الآخر.
النصرة للمظلوم:
أكدت الوثيقة على مبدأ نصرة المظلوم، وأن "النصر للمظلوم". وهذا يعني أنه في حال وقوع ظلم على أي فرد، سواء كان مسلمًا أو يهوديًا، يجب على الآخرين نصرته وإعانته.
التعاون في الدفاع عن المدينة:
نصت الوثيقة على أن "بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة". وهذا يعني أن المسلمين واليهود يتعاونون في الدفاع عن المدينة في حال تعرضها لهجوم.
لقد بنينا موقفنا في طرحنا للمواطنة بناء على هذه الخلفية، لأن الكثيرين قد يستغربون أن لعالم دين او لجهة دينية أن تطرح المواطنة نظاماً لدولة يعيش فيها ويتنوع فيها اهل الأديان، وأن هذه المواطنة هي الكفيلة في تحقيق الوحدة المجتمعية السياسية للخروج من اشكالية النظام الطائفي السياسي وإبطال الاسس التي قام عليها لأن فيها تمييز بين المتعددين بالانتماء الطائفيب والمذهبي، وهذا ليس عدلاً ولا يقوم بناء حقيقي عليه، وحين يقوم عليه سيفرط هذا العقد، كما جرّبنا نحن في لبنان منذ عام 1920 الى الآن ولبنان بناء على هذه الصغية يتعرض دائماً للإهتزاز السياسي وعدم الاستقرار وعدم التقدم وكلما بذل المجتمع الأهلي فيه جهداً يأتي أصحاب المنافع الذين يستفيدون من هذا النظام ليخربوا كل ما بناه اللبناينون، المشكلة في لبنان ليست في التعدد والتنوع الديني وانما تكمن في التفريق بين المواطنين على أساس الانتماء الديني هو الذي أوجد المشكلة ثم يجمّلون الدين المسؤولية، يظلمون الدين مرتين، مرة حين يجعلوه قبيلة، والمؤمنون المنتمون الى أديان مختلفة يعني المسيحية قبيلة والإسلام قبيلة أخرة، التشيع قبيلة والتسنن قبيلة والتوحيد الدرزي قبيلة والمارونية قبيلة، الدين ليس كذلك، الدين هو ما تلونا بعض نصوصه الذي لا يفرق بين أحد وأحد إلا على أساس التقوى، ويقول الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، الذي يفسر التقوى هنا رسول الله (ص) بأنه ليس مجرد الصيام والحج وبعض العبادات التي يأتي بها المؤمنون وإنما امر آخر الذي هو القصد من العبادة لله في بعض معانيه حينما يقول رسول الله (ص) في تفسير التقوى: " الخلق كلهم عيال الله وأحبهم اليه أنفعهم لعياله".
إنّ الصيغة السياسية القائمة على اساس المواطنة هي الكفيلة بتحقيق الاستقرار (والتي لا تنافي الدين والتي تحفظ كل المواطنين وتحفظط كل الطوائف وكل المذاهب، هي كذبة اخترعوها بأن النظام الطائفي يحفظ الطوائف في لبنان، يحفظ المسيحيين لأن المسيحيين أقلية في الشرق، المسيحيون عاشوا بين المسلمين وحتى الان وكانوا كسائر المسلمين في هذا المجتمع، هذا هو السبب في الإختلال في الاجتماع السياسي في العالم العربي والاسلامي وليس الدين، الدين برئ منهم ومن أعمالهم) الامني والسياسي ويتيح للمجتمع تقديم الانجازات على كل الصعد الادارية والاقتصادية والانمائية والترابط الاجتماعي الضروري والتقدم العلمي والتربوي وفي الوقت الذي نبذل هذا الجهد من اجل تحقيق هذا الهدف الذي يُخرج لبنان من أتون الصراعات الطائفية والمذهبية لتأسيس دولة حقيقية قائمة على اساس المواطنة يتيح للمواطن الشعور بوحدة الانتماء السياسي للوطن بدل الولاءات المتعددة التي تمزّقه وتضع الموقف الوطني في دائرة الخطر وتتقدم معه المصالح الذاتية عليها.
لقد كان رهاننا كبيراً على ان تكون المرحلة الحالية بداية لتحول حقيقي في حسابات السلطة السياسية عما عهدناه منها في الماضي ولكن يبدو ان السلطة ما زالت تحمل نفس العقلية وحساباتها نفس الحسابات التي تتحكم بها أوامر القناصل وتتقدم على المصالح الوطنية على قاعدة أن من يأكل من خبز السلطان يضرب بسيفه، ويصبح التمني ان تكون المواجهة مع السلطان بشكل مباشر بدل أن تكون مع وجههه الذي يلبس لبوساً وطنياً.
لقد كان القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة صادماً في الانقلاب على هذه الأهداف وعلى الموقف الرسمي الموحّد في وجه الورقة الاسرائيلية التي حملها المبعوث الامريكي والذي عبَّر عن حقيقة الموقف الوطني، لقد كان هذا القرار صادماً في الانقلاب على الموقف الوطني الجامع الذي تمّ الاجماع الرسمي عليه في الرضوخ لمطلب العدو، في الوقت الذي مازال العدو يحتل الارض ويستمر في الحرب والقتل والاغتيال والتدمير ومنع المواطنين من العودة الى قراهم، فهل هذه هي السيادة التي وعدتم بالدفاع عنها؟ ام أن حفظ السيادة التي تدّعون هي في نزع اوراق القوة التي يمتلكها لبنان وأولها الوحدة الوطنية التي تعرّضونها الآن بقراراتكم التي اتخذتموها بالأمس الى الخطر إرسالاً لرسائل الاستسلام، وعلى ماذا تعولون بعد ذلك؟ على الضمانات الامريكية التي رفض المبعوث الأميركي اعطاءكم إياها؟ أم على تسليح الجيش اللبناني بالأسلحة التي تُمكّنه من ردع العدو الممنوع هذا التسليح يعني انكم تساهمون في تمهيد الطريق للعدو لتحقيق ما لم يكن يحلم به، بل ما عجز عن تحقيقه في المعركة العسكرية.
يا مجلس الوزراء، أيها الوزراء الذين اتخذتم القرار، لقد سلكتم طريقاً خطيراً يهدّد مصير الوطن، إنكم تعيدون بهذا القرار نفس التجارب الفاشلة الماضية فمقاومة العدو وتحرير الارض وحماية السيادة لا يكون بالقرارات المأخوذة على الارائك والوسائد في الغرف المبرّدة بإملاءات العدو بل بالمواقف في ساحات المواجهة وتقديم التضحيات وتحمّل المسؤولية، ذكّررونا ب سنة 1982 وب 17 أيار واتفاقية العار ذكرتمونا بها، ونحن أيضاً نذكّركم سنة 1982 و 17 أيار وما حصل بعد ذلك من تحرير في العام 2000، لا تفكّروا أن الأميركي الى جانبكم، والله لو وقفتم موقف رجال لكان أشرف لكم، ماذا سيفعل العدو أكثر مما فعل؟ نحن الذين دفعنا الثمن وأنتم تفرجتم علينا ونحن نقتل وبيوتنا تقصف وأبناؤنا ونساؤنا يستشهدون، أي ثمن دفعتموه؟ لقد اعترض بعضكم على أن هذا القصف يمنعكم من الذهاب الى الساحل لممارسة السباحة، أيّ شعور وطني لديكم؟.
إنّ المقاومة وبيئتها ستبقى الاحرص على سلامة الوطن، لماذا؟ لأن هذه البيئة دفعت الثمن الغالي من الدماء البيوت والأبناء والأمن والاستقرار وبعد ذلك حصارها، يا دولة رئيس مجلس الوزراء أنت تحاصرنا أنت تحاصر هذه البيئة بمصادرة الأموال التي جناها أبناؤنا في الخارج بعرق جبينهم لمساعدة أهلهم ووطنهم صادرتها في المطار بحجة ما ادّعيت أنها تبييض أموال، سوّد الله وجوهكم. نحن الذين نتحمّل المسؤولية أما أنتم فلم تتحملوا المسؤولية على الإطلاق وفرّطتم بها، واما الذين ليس لديهم استعداد للتضحية ودفع اثمان للموقف حينما يستدعي الامر الموقف، فيصحّ فيهم :
ومن ملَكَ البلاد بغير حربٍ.... يهون عليه تسليم البلادِ
لن نترك ارضنا محتلة وقرانا مستباحة واهلنا لقمة سائغة للعدو وننصح في عدم السير بهذا الموقف والتراجع عنه والرجوع الى ضمائركم لأن هذا يدفع بالبلاد الى ما لا يحمد عقباه، تراجعوا في جلسة الغد عن الخطأ الذي ارتكبتموه فالتراجع عن الخطأ فضيلة، فدفع الثمن للحفاظ على السيادة مهما بلغ اقل بكثير من الثمن الذي ندفعه بالاستسلام، انتم تستسلمون الآن للأميركي.
وندعو الى العودة الى الموقف الرسمي الجامع، أنتم خرقتم الموقف الرسمي الوطني الجامع الذي يحافظ على الميثاقية، لا ميثاقية لقراركم، هذا الموضوع لا يبحث في مجلس الوزراء ولا يؤخذ بالتصويت حيث لا شرعية لأي قرار يخالف ميثاقية العيش المشترك، أين أنتم من اتفاق الطائف؟.
أخاطب الجميع وأعني ما أقول: (يا ايها الذين آمنو قوا انفسكم واهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين)، لا تأخذوا البلد الى هذا البلد، الذين سيصلون هذه النار هم ليس المقاومون وليس الشرفاء الذي يبذلون الدماء والتضحية من أجل لبنان وكرامته ومن أجل كل اللبنانيين لأننا نعتبر أن اللبنانيين جميعاً هم واحد في الكرامة وفي الحقوق والواجبات.
ثم ألقى الإعلامي جرادي كلمة رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبد أبو كسم الذي اعتذر بسبب طارئ قال فيها: شرّفني اتحاد الكتّاب اللبنانيين بدعوته لي للمشاركة في ندوة فكريّة وطنيّة برعاية وحضور صاحب السماحة العلاّمة الشيخ علي الخطيب، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى، حول كتابين للعميد الدكتور غازي قانصو الذي تربطني فيه علاقة أخوّة وصداقة صادقة، جامعها المشترك العمل معاً لصون الوحدة الوطنيّة وتعزيز روابط الوحدة بين اللبنانيين من خلال الوحدة في التنوّع.
وقد اخترت عنواناً لمداخلتي، موضوع العيش المشترك الذي كان وما زال وسيبقى محطّ اهتمامي مع المخلصين والمحبين لهذا الوطن الحبيب لبنان، وفي مقدّمهم سماحة الشيخ علي الخطيب، الذي دوّن في أحد الكتابين رؤيته لهذا الموضوع بشكل صريح وواضح لا لبس فيه، وقد فنّد الكتاب هذه الرؤية من ضمن عناوين ثابتة تشكّل منطلقاً وطنياً يعزّز روح المواطنة لدى اللبنانيين بما يضمن بقاء لبنان نموذجاً مميّزاً ورسالة للشرق والغرب، "فهو أكثر من بلد- إنه رسالة".
سماحة الشيخ علي الخطيب، الدكتور غازي والإخوة المنتدون المشاركون معي أودّ أولاً أن تقبلوا اعتذاري عن عدم إمكانيّة الحضور شخصياً لسبب طارئ يتعلّق بتبديل مكان اجتماع كنسي كان مقرّراً في بيروت لكن تمّ نقله إلى الديمان، وعليه لم يعد بإمكاني المشاركة إلى جانبكم، وقد أرسلت كلمتي فرجاءً اقبلوا اعتذاري، فالمقام وصاحبه والمشاركون أعزّاء إلى قلبي.
أما بعد، فقد احببت أن اعرض، كما ذكرت، لموضوع العيش المشترك انطلاقاً من مقاربة سماحة الشيخ علي الخطيب التي اعتبرها مقاربة شاملة لتعزيز العيش المشترك انطلاقاً من التأكيد على مبدأ العدالة الاجتماعيّة والانفتاح على الآخر والتعاون معه بغية تعزيز السلم الأهلي بين اللبنانيين، كما وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، فضمان مستقبل لبنان لا يكون إلا من خلال دولة تحتضن جميع أبنائها بمساواة وعدالة، حيث تسود قيم الحوار والانفتاح والتعاون في سبيل بناء وطن قوي يليق بتاريخه العريق.
من هذا المنطلق، فإن مسألة العيش المشترك ليست خياراً بل ضرورة ملحّة، وعليه يجب علينا جميعاً أن نتجنّب كل أشكال الانقسامات الطائفيّة والمذهبيّة.
وأنا أوافق رأي سماحته في أنّ تعزيز العيش المشترك في لبنان يتطلّب إعادة النظر في العديد من الأسس التي يقوم عليها النظام الاجتماعي والسياسي، كما يتطلّب تعزيز روح المواطنة الحقيقيّة بعيداً عن المحاصصة الطائفيّة والتمييز بين المواطنين على أساس انتماءاتهم الدينيّة والحزبيّة، من هنا يجب إلغاء الطائفيّة السياسيّة كما نصّ اتفاق الطائف، وهذا ما يعزّز كما ذكرنا اعتماد الكفاءة والقدرة لدى اللبنانيين، بدل المحسوبيّات والمحاصصة.
أمّا اللافت أيضاً ما أشار إليه سماحته بضرورة ضمان حقوق المرأة وإصدار قوانين تحمي حقوقها وتمثيلها في المجتمع.
ومن أهم ما جاء في الكتاب هو إبراز العوامل التي تساعد على إنجاح هذا المشروع، فقد أبرز سماحته العديد من النقاط:
1- تحقيق العدالة الاجتماعيّة بين اللبنانيين.
2- تعزيز روح التسامح.
3- التربية على العيش المشترك في المدارس والجامعات من خلال إدخال هذه المادة في المناهج الدراسيّة.
4- إنشاء مراكز تعنى بالعيش المشترك حيث يتم تنظيم ورش عمل وندوات ومؤتمرات تتناول موضوعات التعدديّة الثقافيّة والدينيّة.
5- دور الإعلام البنّاء الذي يساهم بشكل كبير في بناء مجتمع يتمتّع بالتسامح ويحترم التنوّع الثقافي والديني.
في الختام أشكر لكم إقامة هذه الندوة، وأستودعكم بركات الله.
ثم ألقى الدكتور رافي ماديان كلمة قال فيها: " بخصوص دولة المواطنة والعيش المشترك""
لا بد من كلمة شكر وامتنان لاتحاد الكتاب اللبنانيين وللمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى لتنظيمهما هذه الندوة الفكرية في زمن غياب الفكر السياسي والفلسفة السياسية لدى معظم القوى والفئات المنخرطة في ادارة السلطة والمؤسسات العامة (أوصى كيسنجر في آخر كتاب له الادارة الأميركية بالاهتمام بالفلسفة السياسية) ، كما اشكر الصديق الدكتور غازي قانصو الذي قدم لنا بعض الرؤية لدى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب حول دولة المواطنة والعيش المشترك . ويأتي هذا الطرح في لحظة مصيرية تشهد فيها منطقتنا ديناميات تفكك الدول المركزية وانقسام كيانات نظام سايكس - بيكو لعام 1916، كما تنبا السفير الأميركي المستشرق توماس برّاك، الى كانتونات واقاليم طائفية ودينية ومذهبية متناحرة ومستظلة بالحماية الاسرائيلية. أهمية هذا التصور - الآن و هنا - لدى العلامة المجتهد الخطيب أنه يصبو الى الوحدة الوطنية وبناء الدولة المُوحّدة و الجامعة لمواطنيها في لحظة انطلاق عوامل التفتيت للنسيج المختلط الديني والثقافي و الحضاري والتاريخي في هذا المشرق العربي أو في بلاد الشام، وفي لحظة انهيار الدولة المركزية الراعية لجميع أبنائها ولهذا النسيج الاجتماعي المختلط - المتنوع، وفي مرحلة يتم فيها استيقاظ الهويات الخاصة المتناحرة والقاتلة . حاولت أن أفهم مقاصد الكتابين المقدمين للمناقشة من خلال تتبع بعض الافكار الواردة فيهما، كاني أحمل خيطا" متخيّلا" يربط بين المفارقات - الاشكاليات التي يصيغها سماحته وكاني أقرا في كتاب واحد لا كتابين، أقرأ فقه بناء الدولة الوطنية الحديثة في لبنان وسيرة هذا النموذج اللبناني المميّز منذ الاستقلال أو قل منذ التجربة الاسلامية - المسيحية المشتركة التي تجلت في كيان لبنان الكبير لعام 1920 .
أوافق العلامة الشيخ الخطيب أن مشكلتنا ليست الأديان ولا وجود العائلات الروحية - الطوائف، وانما لعنتنا تكمن في هذه الطبقة الأوليغارشية الحاكمة التي تستخدم الطائفية السياسية كمماسة عملية في ادارة السلطة والمؤسسات والاجتماع بحيث تصبح التفرقة بين المواطنين على أساس الهوية الدينية والمذهبية شكلاً من العنصرية المقيتة التي تداوى بالمواطنة وتكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والعدالة الاجتماعية ومشاركة كل المكونات في عملية إدارة الدولة والمؤسسات العامة والموارد الوطنية . علمًا أن الإصلاح السياسي بحاجة الى تغيير البنية الفوقية (السلطة) وتغيير القوانين والحفاظ على التوازنات القائمة والديمقراطية التوافقية الخاصة بهذا البلد وكذلك تحويل مساحات السلطة السياسة والادارة الدولتية الى "مساحات مدنية "مخصصة للنخب والكفاءات وبعيدة من أن تكون مجالاً للتوظيف الطائفي الزبائني . عندها تكون لدينا دولة مواطنة ، دولة انسان (كما كان يقول المرحوم العلاّمة السيد محمد حسين فضل اللّٰه أو المفكر الاسلامي العراقي محمد عبد الجبار الشبوط) دولة رعاية وتنمية اجتماعية مستدامة . خلال التجرية المسيحية الشهابية ، والشهابية ليست حكم الجيش والمكتب الثاني كما يروج وإنما هي الصيفة اللبنانية للكاثوليكية الاجتماعية التي عمل الأب لويس لوبريه على نشر مفهومها وأرسل بعثة IRFED الى لبنان بين 1964- 1958 وقامت هذه البعثة الفرنسية بالتخطيط لتوسيع القاعدة الإجتماعية للدولة وأرست الإصلاح المؤسساتي وأسس التحديث وسياسات التنمية الإجتماعية المستدامة . أي أن التجرية الشهابية الرائدة ترجمت نظرية دولة الرعاية Etat de providence) ) وأشركت أوسع الفئات الاجتماعية ومختلف الطوائف في مجال إدارة الدولة والمؤسسات والموارد (التنمية المتوازنة) . ولهذا السبب التقت حركة الإمام السيد موسى الصدر الداعية الى المشاركة والإصلاح مع التيار الشهابي المسيحي في حقبة الستينيات . أي ان المسيحية الشهابية ، في عمليتها للإصلاح الدولتي والتحديث وتوسيع القاعدة الإجتماعية للدولة أفسحت المجال أمام صعود حراك الإجتماع الشيعي وبخاصة الجنوبي وإنخراطه في الإدارة السياسية والمؤسساتية، الأمر الذي ساهم في انهاء الغبن والتهميش الذي طال المسلمين ومناطقهم قبل إقرار دستور الطائف. أضف ، ان العيش المشترك لا يتعزز فقط بالحوار والتواصل مع الآخر المختلف والإعتراف بخصوصياته وتقديم التنازلات و الضمانات المتبادلة و انما كذلك بالإنتماء الى هوية وطنية جامعة ، هوية ونظرة تحدد العدو من الصديق وتحدد تموضع لبنان حيال قضايا المنطقة المركزية. كما أننا بحاجة الى ثقافة سياسية وطنية واحدة ، والى تربية وطنية لبنانية لا تتحدث عن جناحين حتى لا يطير البلد ان طارا. نحن بحاجة أيضاً للعودة الى خدمة العلم و بناء أطر الانصهار الوطني على غرار الجيش. بالمختصر، بناء الدولة الوطنية التي تحتضن جميع المواطنين من كافة الانتماءات و تمثل جميع المكونات دون تمييز هو الفكرة المكثفة للعيش المشترك فيما بيننا، اذا جاز التعبير.
والقى كلمة سماحة شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ د. سامي ابو المنى الشيخ وسام سليقا الذي قال :
بداية يشرفني ان انقل لحضراتكم تحيات صاحب السماحة
سماحة شيخ العقل لطائفة المسلمين الموحدين الدروز
الشيخ الدكتور سامي ابي المنى
وتقديره عاليا لهذا اللقاء الثقافي الوطني بامنياز
في زمن تتنازع فيه الهويات وتضيق فيه المساحات
وتتراجع فيه لغة العقل لصالح الغرائز والانقسامات
، تبرز رؤية العلامة الشيخ علي الخطيب، كما قدّمها الكاتب الدكتور غازي قانصوه في كتابه "دولة المواطنة"، كضوء هادٍ وسط العتمة، ومشروع وطني ــ أخلاقي يرسم معالم دولة عادلة يتساوى فيها المواطنون على اختلاف معتقداتهم وهوياتهم.
فليست المواطنة – كما يؤكّد سماحة الشيخ علي الخطيب – عقدًا قانونيًّا فحسب، بل هي قيمة أخلاقية وإنسانية، تُبنى على الاحترام المتبادل، والعدالة، والتكافؤ في الحقوق والواجبات. وهي، قبل ذلك وبعده، انتماء حقيقي وولاء للكيان الوطني فوق كل اعتبار طائفي أو مذهبي. إنها ليست مجرد صفة إدارية، بل نمط حياة، يؤمن بأن لا مستقبل لأحد دون الجميع، ولا وطن دون وحدة الإرادة.
وفي هذا الإطار، لا نجد في كتاب "دولة المواطنة" تنظيرًا سياسيًّا تقليديًّا، بل قراءة فكرية واعية تنبع من إيمان ديني ناضج يرى في الإنسان قيمة عليا، وفي الوطن بيتًا للجميع، لا سيطرة لمذهب، ولا ساحة لتنازع الطوائف. الدولة، كما يتصورها سماحة الشي علي الخطيب، ليست ساحة لصراع المصالح الفئوية، بل حاضنة عادلة للجميع، تقوم على سيادة القانون، وتضمن حرية الضمير والمعتقد، وتحمي التنوّع لا بوصفه تهديدًا، بل باعتباره ثروة وطنية ينبغي رعايتها.
العيش المشترك في هذا السياق لا يعني مجرد التعايش السلبي، بل هو شراكة في الانتماء، وتعاون في البناء، وتكافل في التحديات. هو وعي متقدٍ بأن الاختلاف لا يلغي وحدة المصير، وأن اللقاء فوق الانقسام هو الخيار الوحيد لمجتمعٍ يسعى إلى الاستقرار والنهضة.
وهنا، تلتقي رؤية الشيخ علي الخطيب مع أرقى ما توصّل إليه الفكر الإنساني في بناء الدولة المدنية، دولة المواطن لا الرعية، دولة الحقوق لا الامتيازات، حيث الجميع سواسية أمام القانون، وحيث الدين لله والوطن للجميع.
إن هذه الرؤية، كما يبيّنه قانصوه في كتابه، لا تُقصي أحدًا، ولا تدعو لإذابة الهويات، بل لتكاملها في إطار هوية وطنية جامعة. هكذا تتحول الدولة من مجرد جهاز إداري إلى حاضنة روحية وقانونية للعدالة والمساواة، وتتحوّل المواطنة من وثيقة صامتة إلى فعل حيّ يُمارس في كل موقف وسلوك.
ختامًا، إننا أمام نصّ لا يزر الوهم، بل يُعلي منسوب الوعي، ويُعيد إلينا الإيمان بأن دولة المواطنة ليست حلمًا مستحيلًا، بل ضرورة وجودية ومسؤولية مشتركة. هو ندا إلى الضمير الجمعي أن ينهض، وإلى العقل الوطني أن يُعيد رسم معالم العيش المشترك على قاعدة: لا خلاص لأوطاننا إلا بدولة المواطنة، حيث المواطن هو القيمة الأعلى، والكرامة هي الحق الأول، والشراكة هي قدر الجميع.
ولأن المواطنة تحتاج الى اساس متين تبنى عليه من خلال الثقافة
من خلال منهج تعليمي وخطاب اعلامي
وانتماء وطني وسمو أخلاقي
وتقبل الاختلاف العقلي والفكري والمفاربة بينهما ليكون اختلاف ثريا وغنينا يواجه التصحر الفكري والجفاف الحاد
لذلك علينا جميعا ان ننظر الى وطننا اولا واخيرا وكيف هي السبل للارتقاء بمستوى شبابنا من خلال مواكبة العلم
لبنان بالنسبة لنا جميعا بمثابة القلب من الجسد
ولا يمكن لجسد ان يحيا دون نبضات القلب
فلنجعلها نبضات محبة وتسامح وتقوى لان الناس تتفاضل بفضيلة التقوى
وليس بالأقوى
ولنسعى جميعا الى جنوبنا الحبيب مطرح ما الواقع بيحاكي الصمود والجرح بينزف كرامة وتتشابك الايدي مع بعضها بعضا لإعادة الاعمار
فجنوبنا ليس في ذاكرة النسيان بل هو في قلوبنا وعقولنا ببراءة أطفاله وهممم شبابه
بمحبة مشايخه وابائه
باجراء كنائسه ومأذن جوامعه
بانها ره واوديته
اخيرا اذ نتقدم بالشكر من سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب والعميد الدكتور غازي قانصو
واتحاد الكتاب اللبنانيين
على هذه الدعوة الكريمة
فما أحوجنا الى التلاقي الدائم من اجل خلاص لبنان.
وألقى رئيس اتحاد الكتاب اللبنانيين كلمة قال فيها:
أن نجتمع اليوم في هذه الندوة التي تحتفي بكتابين للعميد الدكتور غازي قانصو بعنوان: "دولة المواطنة في لبنان والعيش المشترك في لبنان في رؤية العلامة الشيخ علي الخطيب"، لهو اجتماعٌ استثنائيٌّ في الزمن الذي نحتاج فيه لهذه الرؤية العميقة إلى قضية العيش المشترك، وقضية المواطنة وقد صارت حقاً من حقوق الإنسان.
أبدأ من هذا المقام الوطني وأعني المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، فتعودُ بنا الذاكرةُ إلى المقاومِ الأول، الإمامِ السيد موسى الصدر، الذي مشينا على هديِه في مدارج الروح الإنسانيةِ والدينية السمحة الجامعة... هل ينسى اللبنانيون تلك اللحظةَ الوطنيةَ التاريخيةَ في 18 شباط 1975، يومَ وقفَ الإمامُ أمامَ مذبحِ كنيسةِ الآباءِ الكبوشيين في بيروت، واعِظاً في "كلمةٍ سواء"، فقال حرفيَّاً: "لبنان بلدُنا، رصيدُهُ الأولُ هو الإنسان"، ويبرزُ واقعَهُ بالمقارنةِ مع حقيقةِ عدوِّنا الإسرائيليِّ في عنصريتِهِ واغتصابِهِ فلسطين، وتحريفِ التاريخِ وتهويدِ المدينةِ المقدسة...
في تلكَ العِظةِ الرائعةِ بشموليتِها في وحدةِ الأديان، أكمل الإمامُ: "نجتمعُ من أجلِ الإنسانِ الذي كانَتْ من أجلِهِ الأديانُ، نلتقي لخدمةِ المستضعفِ المسحوق، ولنحفظَ بلدَنَا لبنانَ، أمانةَ التاريخِ وأمانةَ الله"...
وتستمر المسيرة، مع سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب، الذي ينطلق من رؤية إسلامية إيمانية صادقة، ويجتمع من أجل الإنسان، ليكون حرَّاً ومسؤولاً وعاملاً في مجتمعه، فكيف إذا كان المجتمع هو المجتمع اللبناني الذي رصيده الإنسان.
من هنا بالذات يُطلق العلامة الخطيب رؤيته إلى القضايا المركزية، وعلى رأسها المواطنة والعيش المشترك، كما ترجمها في كتابيه العميد الدكتور غازي قانصو.
رؤية تنطلق من الإنسان والإيمان بأنه القادر على قبول الآخر والحوار والتآخي.
السيدات والسادة
إيماننا بلبنان الرسالة كما قال البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، يعقد العلامة الخطيب العزم على ترسيخ مفاهيم العيش المشترك والمواطنة.
وإننا في هذا الوقت الذي يمرُّ به لبنان والمنطقة، يظهر اتحاد الكتَّاب اللبنانيين حاضراً، وبقوَّةٍ، على مدى عامين، مع القضايا الإنسانيَّة العادلة، وعلى رأسها قضيَّة فلسطين، معلناً مواقفه التي اتَّفقت مع ثوابت الضمير الثقافي الوطني والعربي، مع الكثير من الهيئات المحليَّة والعربيَّة.
يعي الاتحادُ مخاطرَ الاستهداف المنهجي للهوية، وما يُعرف بالإبادة الثقافية، وتالياً الإنسانية، بدءاً مما يُحكى في الكواليسِ والأروقة، عن تمريرِ مشروعِ توطين اللاجئين والنازحين في لبنان، كواحدٍ من السياقات المدرجة باسم "الشرق الأوسط الجديد"، الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية.
إننا في اتحاد الكتَّاب اللبنانيين، ومن موقعِنا الوطنيِّ المؤمن بلبنان، وطناً نهائيَّاً لجميعِ أبنائه، نرفضُ رفضاً مطلقاً توطينَ اللاجئين أو النازحين، تحت أيِّ عنوانٍ من العناوين، انطلاقاً من إيمانِنا الراسخ وانحيازِنا المطلق إلى جانبِ الحقوق المشروعة للشعبِ الفلسطيني، التي كرَّستها قراراتُ الشرعيَّة الدوليَّة لجهة حقِّه بالعودة الى أرضِه، وإقامة دولتِه المستقلة وعاصمتُها القدسُ الشريف. وموقفُنا أيضاً كان وسيبقى داعماً لأيِّ جهدٍ وطنيٍّ وعربيٍّ ودوليٍّ يؤمِّنُ العودةَ السريعة للنازحين السوريين إلى وطنهم، كما نرفض أيَّ محاولة ﻻستخدامِ ملفِّ النازحين الإنساني، كحصان طروادة لتمرير أجنداتٍ سياسيَّةٍ، تستهدفُ إضعافَ وحدةِ الدولة وموقعِها ودورِها القوميّ لمصلحة المشروع الصهيوني في المنطقة.
وعلى المستوى الداخلي، نؤكِّد انحيازَنا الدائم إلى قيام دولة المؤسسات، القادرةِ بجامعتها الوطنيَّة الموحَّدة، الناظرةِ بسواسيةٍ إلى أبنائها، من دون تهميشٍ أو إقصاءٍ لأيِّ مكوِّنٍ لبنانيٍّ، المستقرَّةِ بأمنِها السياسي واﻻقتصادي والاجتماعي والصحي والبيئي والثقافي والتربوي، المحافظة على كل شبر من تراب لبنان.
دولةٌ يطمئن إليها المواطن، بعيداً عن القلق على الحاضر والمستقبل. فالمناكفات والمواقف الشعبوية يجب أن تتوقَّف لمصلحة المواقف الوطنية المسؤولة والمدركة لحجمِ التحديات، التي تستدعي مجابهتُها ودرءُ مخاطرها على الوطنِ والمواطن، جهداً استثنائياً وعملاً صادقاً يُقدمُ مصلحةَ لبنان العليا على ما عداها من مصالحَ شخصيَّةٍ أو طائفيَّةٍ ضيِّقةٍ، وإن أيَّ استهدافٍ لجنوب لبنان أو شرقه أو شَماله إنما هو استهدافٌ لقلبه وعاصمته، لأن الهيكلَ إذا انهارَ فإنما يقعُ على رؤوسِ الجميع، في ظلِّ مطامعِ العدوِّ الصهيوني ومخاطرِ التهويدِ الثقافي، والشرذمةِ في القرارِ السياسي، ما بين فيدراليةٍ وكونفدرالية وتقسيمٍ وتوطين.
كفانا شرذمةً وطائفيَّةً سياسيَّةً وطائفيَّةً وظيفيَّةً، ولنعدْ إلى خطاب العقلاء من أبناء هذا الوطن، كي لا نبحث عنه في كتب التاريخ، ولنحافظْ على وحدتنا الوطنية، وعلى المقاومة فكراً وسلوكاً وسلاحاً لمجابهة التحديات والمخاطر.
وهنا لا بدَّ من الاشارةِ الى أننا نسعى، في الاتحاد، إلى أن نعمِّمَ فكرةَ الاجتماعِ على مبادئَ أساسيَّةٍ، وهي المواطنيَّةُ وحريَّةُ التعبيرِ والحوارُ البنَّاء، الذي يجمعُنا على كلمةٍ سواء، ضمن قواسمَ مشتركةٍ تتَّسع للجميع من دون تمييزٍ أو تفرقةٍ أو تباغضٍ أو تناحرٍ. لقد نجحنا في هذا الوطن عندما تكاتفنا في صدّ الإرهاب والقوى الظلامية، وكذلك في مقاومة الاعتداءات الإسرائيلية. فليكن هذا التكاتفُ أيضاً في مكافحة الفساد وتعزيز ثقافة المواطنيَّة في وطنٍ صغيرٍ بمساحتِه كبيرٍ بتعدُّديَّته وفرادته.
ونحن في اتحاد الكتَّاب اللبنانيين، نناشد المعنيين، نشاطر اللبنانيين الأمل نحو رؤى استراتيجيَّةٍ، تستثمرُ ممتلكاتِ الدولةِ وتوظفُها بعيداً عن المساراتِ الملتوية، بشفافيةٍ ومسؤوليةٍ قبل فوات الأوان، بعيداً عن الطائفية والمذهبية والحركات والتيارات الحزبية.
إن الوطنَ والمواطنَ خِيارُنا ومشروعُنا واختيارُنا، والضامنُ لهذا الخيار هي الدولةُ المانحةُ الفرصةَ للحريةِ المسؤولةِ وتكوينِ الوعي الجماعي، من خلال ثقافتنا وتراثنا وتاريخنا.
نبارك للكاتب العميد الدكتور غازي قانصو هذين الكتابين، اللذين يبلوران رؤية العلامة الخطيب إلى قضيتين تُعدان من القضايا الرئيسية اليوم.
نبارك للعلامة الخطيب تمسُّكَه بهذه الرؤية الوطنية الإيمانية الصادقة، التي تنتصر للإنسان، فقط للإنسان.
وألقى مؤلف الكتابين د. قانصو كلمة قال فيها: في زمنٍ تتكاثرُ فيه الأزماتُ وتتنازعُ المصالحُ على حسابِ الوطن، يبقى الأملُ معلَّقًا على الفكرِ المنير، والموقفِ البنّاء، والنهجِ العادل الذي يعيدُ للإنسانِ قيمتَه، وللوطنِ هيبتَه.
وانطلاقًا من هذه القناعة، جاء إعدادُ هذين الكتابين: "دولةُ المواطنةِ في لبنان في رؤيةِ العلامةِ الشيخ علي الخطيب" والعيشُ المشتركُ في لبنان في رؤيةِ العلامةِ الشيخ علي الخطيب"، فهما ليسا مجرّدَ مؤلّفين، بل هما وثيقتان وطنيّتان وأخلاقيّتان، تُقدّمان نموذجًا متكاملًا لمشروعِ خلاصٍ وطني حقيقي، يُنقذُ لبنان من دوّامةِ الانقسام، ويعيدُ التّأكيدَ على أنّ "لبنانَ الوطنُ النّهائي لجميعِ أبنائه"، كما قال الإمام السيّد موسى الصدر.
وتابع ... المشكلةُ لم تكن يومًا مع الوطنِ نفسه، بل مع أنظمةٍ لم تُحسنِ الإدارةَ ولا العدل، ولم تُدرك معنى بناءِ دولةٍ راعيةٍ للإنسان. لذا، لا بدَّ من التوجّهِ نحو دولةِ المواطنةِ الحقيقيّة، حيث يتساوى المواطنون أمام القانون، وتُبنى المؤسّساتُ على قاعدةِ الكفاءة، ويُصانُ العيشُ المشترك، وتُحترمُ التعدّديّة دون تمييزٍ أو امتيازٍ لفئةٍ على أخرى. في فكرِ سماحةِ العلامة الشّيخِ علي الخطيب، نلمسُ روحًا وطنيّةً جامعة، تؤمنُ بعدالةِ الدولة، وتدعو إلى الانعتاق من العصبيّات، والالتزامِ بالمشروعِ الواحدِ الموحِّد، لنبنيَ وطنًا يكونُ منبرًا حضاريًّا ورسالةً حيّةً إلى العالم. وإنّ ما بين دفّتَي هذين الكتابين هو نبضُ وطنٍ، وصرخةُ فكرٍ، ونداءُ ضميرٍ في لحظةٍ مفصليةٍ تستحقُّ أن ننهضَ لها ونتبنّاها.
وختم بالقول: أتوجّهُ بخالصِ الشكرِ لسماحةِ العلامة الجليل الشّيخِ علي الخطيب، سائلاً الله له دوامَ الحفظِ والتوفيق، ولرئيسِ اتحادِ الكتّابِ اللبنانيّين الأستاذ الدكتور أحمد نزال على مبادرتِه الكريمة، وللأساتذةِ الأجلّاء على حضورهم ومشاركتهم. شكرًا لكلّ مَن ساهمَ وساعد، ولكلّ مَن حضرَ وشارك، بوركَتم وبوركَ عطاءُكم. حفظَ اللهُ لبنان، وسدَّدَ خُطى كلِّ من آمنَ بالإنسانِ والوطنِ فوقَ كلّ اعتبار.
في الختام قدم د. نزال دروعاً تكريمية لكل من سماحة الشيخ الخطيب و د. ماديان والشيخ سليقا و الإعلامي جرادي ، ثم وقع د. قانصو كتابيه هدية للحضور حيث ناهزت 400 نسخة مجانية.